Archive for أغسطس 2015


بِت المِن (قـِرين) مَرَقَن على الجَبَّال
في (بَيَّا) وْ(بلوس) ما بِرجَن الوَبَّال
صُفراً دِرعَــتِن تـدَّلى لا البَهَّـال 
وبُيْضَة شاش قرابـيبهِـن تريع البال

أرسى الحاردلو الجزالة في الدوبيت مع متانة المبنى وفارق مهزوز الشعر السناري أيام السلطنة الزرقاء وما بعدها في العهد التركي السابق. وقد سبقه المُدَّاح أمثال (أبشريعة) وحاج الماحي في تمتين الجرس والتزام القافية والتي هي أيضاً لزومية تصل أحياناً إلى ضم ثلاث إلى أربع أحرف متشابهة. وأعده أمير شعراء الدوبيت قاطبة، إن كان له إمارة.

هذا المسدار واسمه (مسدار الصيد)، يتابع فيه (الصيد) القادم من (الدنادر) في الصعيد أيام الرشاش حتى دخوله أطراف البطانة. والصيد تطلق على كل ما يمكن صيده من غزال ومها وكتمبور وأبعُـرُف وما إلى ذلك من حيوانات في جميع أطوارها من صغير وجدي وبهم وجضع.. إلخ. ولكنه هنا يعني الغزال الصغير الحجم اللطيف الخفيف الأصفر الظهر والأكتاف (الدِرعة) وهذا الصفار يتدلى حتى أسفل (العرقوب) والأثداء (الشطور أو البهَّال). وهو أيضاً أبيض البطن والتي شبَّه لونها بالشاش كأنها (مقرقبة) به في إزار يريع البال (الخاطر). وهذا وصف لنوع بعينه من الصيد لا غيره.

والحاردلو سابق في إفراد مسدار كامل لمتابعة الصيد، لحبه وتعلقه بجماله، لا يبتغي منه لحماً. ولقد عُرف عنه أنه لا يصيد الغزالة ولا يأكل لحمها ولا يحب من يصيدها. وفي مسير الصيد هذا يصف طريقة سيره في صف واحد (روق) وأحواله من حمل (وَحَل الدُرار) وولادة التي سماها (النفاس) كما المرأة وكيف أنها حييَّة تنتبذ مكاناً قصياً لتلد ولتحمي وليدها في (ضرا نالات). ويصف مشاعر الصيد من خوف من الناس (الحايمة) ومن ترقبه في فرح للسحاب الماطر ولمسلك قائده (الدور) الذي يتسقط مظان المطر وكيف (يزاعلهن) أي يحثهن على اتجاه الرشاش. في المسدار وصف نفسي وحسي للصيد ولعاطفة الشاعر تجاهها فهو يدعو لها بالغيث أن تُسقى .. (ويا باسط النِعَم .. أسقيها في ها المرَّه). ويصف أيضاً طبغرافيا الأرض، وهادها وجبالها وسهولها وطينها وكثبان رمالها وأخاديدها ووديانها، ولنجوم السماء و(عِيَن) الخريف وما ينبت في الخريف من بوادر النبات (القشوش) التي تنبت في طريق هذا الصيد الرقيق.

الشم خَوّخَت بَرَدَن ليالي الحَرَّه
والبراق برق من مِنّا جاب القِرَّه
شوف عيني الصقير بجناحو كَفَت الفِرَّه
تلقاها أم "خدود" الليلة مَرَقت بَرَّة )

الخوخ بعيد عن المعنى يا عماد فهي فاكهة غير معروفة في البطانة وكثير من نواحي السودان وإن نبتت في جبل مرة. وعندما جاءت معلَّبة لم يسمها السودانيون بالخوخ ولكن سموها (الفُرُطَّة) وهذا تعريب لكلمة Fruit فالأقرب أن الشمس، بفعل السحب المتراكمة في الخريف، يصيبها التدجُّن واللفظة كأنها مشتقة من (خيخة) وهو الضعيف الذي تناقصت عنده خصيصة أساسية وهي بالنسبة للشمس شدة الحرارة، كما ورد في تفسير أحد المتداخلين وله الشكر. وبعض الناس ينطقها (الحِرَّة) بكسر الحاء وهي الحرارة أو الحرور كما وردت في القرآن الكريم.( وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)، السموم والحر، وفي قول أنهما يكونان بالليل وبالنهار وهنا تتجلى عبقرية الحاردلو في (بردن ليالي الحرة).
وقال أم خدود في الأصل ويقصد الصيدة. والمناداة بالخدود ألطف من المناداة بالشلوخ. وفي الغناء عموماً أكثر الشعراء من ذكر الخد والخدود لما للخدود من ملاحة وما للشلوخ من فظاظة، ولكن ربما وجد فيها بعض شعراء الحقيبة مجاريٍ للدمع وتباكوا على لؤلؤه المتساقط ولكنهم غنوا أكثر للخدود لما لها من بقاء وما في الشلوخ من زوال وفناء وقد فنيت الشلوخ أو كادت وبقيت الخدود الأسيلة. 
وشكراً للصديق الحبيب قصي للإشارة ولك يا عماد على ابتدارك هذا الموضوع.
ونأسف على الإطالة
Like · Reply · Just now · Edited

نظرة إلى مسدار الصيد للحاردلو الكبير

حقوق النشر © القدال