Archive for أبريل 2015

(2) الديوان
(2) الديوان

-          وبعدين معاك يا رُمَّان!!
زيِّ ما بتناديك العَمَّة "يامنة" ..
-         طب انت مش قلتلي يوم نَـشَـر الجرابيع إشاعة موتك:
(يعني يا مْحمد .. يعني حاموت قبلِ ما اقولَّك؟؟)
-         طب اهو انت راخر رحت يا خال، وما قلتليش ولا عبّرتنيش.

بيتُك في المهندسين شقة في عمارة، مفروشٌ على الطراز القديم. المشربيات والأرابيسك والنجف والكراسي الخشبية والسجاد والتحف النحاسية القديمة والمقاعد وأطقم الجلوس التاريخية. ليست بالفخيمة فاحشة الفخامة ولا بالفقيرة البائسة. فيها من توقك الطبيعي للبساطة مع العراقة ولمسات الأستاذة نهال كمال الجمالية. كأنك كنت تستلهم بيت (السحيمي) وسيرة بني هلال وأنت تفرش هذي الدار. وعلى الحائط صور كثيرة، كبيرة وصغيرة، لك وأمك فاطنة قنديل وأخرى والشيخ محمود الأبنودي وأخرى مع نجيب محفوظ ورابعة لك مع درويش ونهال(1) و(الولاد)، كما كنت تقول وتقصد البنتين الجميلتين الرقيقتين، حيلتك في الدنيا، (آية ونور)(2). وهناك صورتك مع هيكل وأخرى مع عبد الحليم وبليغ. وصورة .. وصورة .. صور على أرفف مكتبتك وأخرى على الجدران والكل في غاية التنظيم والدقة والنظافة.  

-         انت ح تحطِّـلي بروفة الديوان وأول ما هنتغدى ح نروح على الاستوديو نسجل.
-         نسجل إيه؟
-         ح تسجل الديوان بصوتك.
-         دي مفاجأة يخال.. ياريت لو كان عندي تسجيل من الأمسيات الشعرية العملتها في السودان.
-         وانت عايزها ليه؟
-         الجمهور مهم في تجاوبي مع الكلام وإحساسي بيهُ وأنا عايز الإلقاء يخرج وكأن أمامي جمهوري.
-         يا سيدي أنا ح أكون قُصادك في الاستوديو .. أنا جمهورك أَهو.. وبعدين دا هوَّ نفس الأستوديو اللي انا عملت فيه كل دواويني الصوتية .. وهوَّ قريِّب ع الناصية التانية.. وخُـلُـص الكلام .. أنا حجزتلك.

كنتُ بين الفرح الغامر والرهبة. وبرغم الخبرة الطويلة في وقوفي على المنصات وجلوسي أمام المايكروفونات داخل الاستديوهات ومجابهتي الدائمة للجمهور، فقد كانت تلك من أكثر اللحظات عندي تضارباً في المشاعر. لكن في النهاية طغى فرحي بك وبحضورك تسجيل ديواني الصوتي على ما سواه من أحاسيس الرهبة. تعودت في مثل هذه المناسبات أن أتخذ من الكاميرا التي أمامي أو المايكرفون الذي تحت أنفي جمهوراً افتراضياً. ولكن ما أروع أن تأتي إلى أمسية شعرية وتجد جمهورك حشداً من عبد الرحمن الأبنودي.  كنت أرفع رأسي أثناء الإلقاء فأجدك بلحمك وليس بشحمك لأنه لم يعد لديك شحم. لأخاطبك لأنك جمهوري الذي أمامي فأراك من خلف الزجاج، تضع ذقنك على مقبض عصاك، تهزُّ رأسك يمنة ويسرة وأنت تبستم لي ووجهك ممتلئ بالمحبة. هل كانت الكلمات تهزك فتستحسنها؟ هل كنت تشجعني؟ لقد كان حجزك الاستوديو ووجودك أمامي أقرأ لك وحدك هو التشجيع الأكبر. لأكثر من ساعتين وأنت تجلس أمامي خلف الحاجز الزجاجي. نال مني برد الاستوديو والإرهاق ولم ينل منك، بالرغم من وضعك الصحي الذي أعرفه. أخطئ في كلمة أو أتلعثم فتلوح لي من وراء الزجاج أن أمضي ولا أتوقف وأن أصحِّح في الخطوة التالية. كنت أدرك، من خبرة سابقة، أن المكساج يقوم بمسح غير المرغوب فيه، ولم أستغرب أنك أيضاً تعرف ذلك.
-         هتقعد مع (مدحت)(3) ولما تخلصوا مِ المكساج تعالالي في البيت .. عايزك تسلم عَ الولاد قبل ما تروح على عزالدين(4).. هُمَّ ونهال يكونوا رِجعم.. تعرف الطريق للبيت؟ نفس الدرب اللي جينا بيه.  
لم يأخذ المكساج وقتاً طويلاً، وأثناءه سألت (مدحت):
-         ساعة الاستوديو عندكم بكم جنيه مصري. فأجابني.
-         أرجو أن تجهز لي الفاتورة بعد ما نخلص من المكساج.
-         فاتورة إيه يا استاذ؟ دا الخال مخلّص على كل حاجة .. مما جميعو
-         كيف الكلام دا؟؟
-         انت الخير والبركة يا ستاذ محمد.
-         دي مفاجأة تانية من الخال.
وبعد عتاب الأحبة و .. انت تستاهل أكتر
كنتَ فرحاً ومرحاً وسعيداً وكذلك كنت أنا. جلسنا في صالونك تجادعني بالدوبيت وتقولي بصعيدية قحة تضغط فيها على مخارج الحروف في محاولة صادقة لإلقاء الدوبيت كما نفعل نحن السودانيّون:
-         الليلة الصعيد جاب الهبوب مقلوبة
وأقول لك:
-         طرّاني الأهل والجلسة في الراكوبة
وأزيدك بيتاً:
-         مُهرة دنقلا الما دردروك مجلوبة
فترد ووجهك بسَّام:
-         زيطِك شال مَصِر وادّلّى فوق النوبة
ونقهقه معاً احتفالاً بالدوبيت الذي كنت تحبه، وبوجودنا معأ وبإنجازنا لديواني الصوتي.
-         تعرف يا محمد أعتقد أن (زيطِك) ديه مصرية .. إحنا نقول الزيط .. نعني السُمعة.
-         أعتقد أنها عربية من (صيت) وهي السمعة فعلاً .. بس عندنا في الشعر الشعبي السوداني استعمل كتير .. اللفظ دا والمعنى دا. أمسك عندك.. عندنا مناحة شهيرة قيلت في أحد الفرسان اسمه موسى ود جـَـلي وهو في شخوص الشعر الملحمي عندنا يماثل سيف بن ذي يزن وأبو زيد وعنترة.. وبتقول:

حليل موسى يا حليل موسى

حليل موسى للرجال خوسه

ما بياكل الملاح أخـَــدَر

ولا بيشرب الخَـمُر يسكر

عجب عيني يوم ركب دفَّر

طلع (زيطو) شال بنات بربر 

لم تسألني عن معاني هذه المفردات المغرقة في العامية السودانية لأنها هي نفسها عاميتك. ولم أحتج يوماً لأسألك من معاني مفرداتك بل دخلت مباشرة إلى قلوبنا جميعاً لأنها كلامنا. لم أجد عربياً، مصرياً كان أو غيره، يدرك العامية السودانية مثلك ويعرف لهجاتها وطرائق نطقها وسرعاتها ووقفاتها. فقط استوقفتك لفظة (شال) مصر و(شال) بنات بربر .. شوف التعبير يا محمد.. يعنى وصل مصر وبنات بربر واتدلَّى ع النوبة..

وكان بعد حين..

(1)    الأستاذة نهال كمال زوجة الخال
(2)    آية ونور بنتا الخال وليس له غيرهما
(3)    الأستاذ مدحت عبد المجيد، مدير ستوديو Digital Master بالمهندسين

(4)    الباشمهندس عز الدين محمد ابراهيم (سودانيز ساوند)، منتج أنشودة (مصر المؤمَّنة) للشيخ البرعي وغناء شرحبيل أحمد وعلي الحجار وعقد الجلاد وإيهاب توفيق. وكنت والخال قد تبادلنا إلقاءها. تم تصوير الأنشودة بين مصر والخرطوم وأمدرمان والزريبة. لم يتم نشر العمل لنزاع بين المنتجين.

رسائل للخال (رُمَّــان) - (2) الديوان

كانت جوبا أجمل مما رأيتها من قبل وازدادت جمالاً بصحبة استيلا وكرم دينق قوج وصدق كمال الجزولي وصداقة إيمان شقاق.
كان تدشين (العودة)، المجموعة القصصية الثانية لاستيلا قيتانو هو السبب، ولكن النتيجة الأروع أن تكون سانحة لنلتقي بأصدقائنا ، قدامى وجدد. يحدثوننا بفكر ثاقب عن القصة القصيرة والرواية. ويسمعوننا بشغف وهم يشاهدون طواقي الخوق تتوزع على الرؤوس. لكم المحبة. كنا زمان نغني (من حلفا لي نيمولي) دون أن يرى الكثير منا حلفا أو نيمولى ولكنه كان حباً لموضعين حبيبن في تصورنا وفي خيالنا منذ الطفولة. كانت سانحة أن نذهب إلى نيمولي وتتعفر أقدامنا بترابها ونقف على شاطئها والنيل فس أول خطواته داخل السودان (جنوب السودان). دهبنا إليها بالسيارة في ساعة زمن في طريق جديد مسفلت لا يرمش.


كنت في جوبا ونيمولي

     -         وبعدين معاك يا رُمَّان!!
زيِّ ما بتناديك العَمَّة "يامنة" ..
-         طب انت مش قلتلي يوم نَـشَـر الجرابيع إشاعة موتك:
(يعني يا مْحمد .. يعني حاموت قبلِ ما اقولَّك؟؟)
-         طب اهو انت راخر رحت يا خال، وما قلتليش ولا عبّرتنيش.

الذاكرة .. كأنه يوم أمس. والمجلس القومي للآداب والفنون، منتصف سبعينات القرن الماضي، يكتظ بالشعراء والغاوين ليسمعوا الحكيات الحبيبة الحاذقة لحراجي القط والخواجة لامبو، وأنت تصر على المغربي(1) رئيس المجلس، عليه الرحمة، أنك تريد أن تسمع لشعراء السودان لأنها المرة الأولى التي تزور فيها هذا البلد الطيب الشاعر حتى النخاع. يجمع لك رئيس المجلس مجموعة من أساطين شعراء الفصحي في ذاك الأوان، وهم أهل القصيد المتين ذي المنكبين والضلفتين. وأنت شاعر العامية المفلق. كنت حراً تزلتزمها قافية في موالك حين تحب وتتحرر منها إلى الطلاقة حين تشاء لا تأسرك بحسنٍ ولا تقيدك برويٍّ، كنت تتململ كأنك على الجمر تقبض، تجلس  .. تستمع، فتنقبض أصابع يديك على فرش الكرسي الوثير. تتلفَّت يمنة ويسرة: يوم أسود دا اليوم إللي طلبت أسمع فيه.. إيه دا يا عم. قبل أن ينفض السامر كانت قراءتي ل (حليوة) في آخر الأمسية بعد أن أصاب الأمسية التثاؤب. لقد كنتُ وقتها موظفاً صغيراً مستجداً في مجلس الآداب والفنون وشاباً يتلمس طريقه إلى الشعر. بعد الأمسية قلت لي ما قلت .. وذهبنا إلى منزل سيف الجندي في (نمرة اتنين)، أولاد نور الدين، مهدي ونجيب وعلي وعميري عليه الرحمة وسمية وآخرون لا أذكرهم الآن. هل كنت هنالك يا إلياس؟ بالتأكيد كان معنا الأسطى حراجي والواد عيد وأمه فاطنه احمد عبد الغفار وكل الوجوه التي كانت على الشط وبالأمارة عمي ابراهيم أبو العيون.. واحتفينا بهم أيما احتفاء. جلسنا على الأرض نستمتع بك شعراً وطرفة ولماحية. امتلأت الدار بأهل الدار وجيران الدار وأطلت العيون من أبوابها المشرعة والشبابيك. وغنى عميري  (دويتو) مع سمية بت حسن، كان اعجابك بصوتيهما واضح وأنت منتشي ب (يا عيون المها) . ألح الأصدقاء أن أقرأ لك ولهم قصيدة أخرى ونحن (متوهطين الأرض). قرأتُ كأنني أقرأ لك وحدك .. وقلت لي ما قلت لي .. وبعدها لم نفترق.
بعد انتفاضتنا المجيدة هنا في الخرطوم، ذهبنا نحتفل مع شباب العالم في مهرجان الشباب وكانت موسكو في أوج البروسترويكا والجلاستنوست. وجورباتشوف قد مضى في تفاهمه مع الأمريكان شوطاً بعيداً حتى أنه قد قنن زمن بيع الفودكا. نزلنا في الدوم توريستا المطل على اللنينسكي بروسبيكت وقريب منه جامعة الصداقة (باتريس لوممبا). كان الوفد السوداني يساكنكم والإخوة الفلسطينيين بنفس الطابق. في غرفتك جلسنا إلى الشيخ إمام ولم يكن معه رفيق دربه، أحمد فؤاد نجم، الذي لم يحضر. كانا وقتها قد افترقا فراقاً بائناً ومع ذلك غنى الشيخ من أشعاره على عوده .. غنى جيفارا مات وغنيت لنا الخواجة لامبو مات.

كان فيه كمان ناس أغنيا ..

ليهم بيوت ..ليها سقوف طايلة السما..

ممتلية باللي اسبانيا فراغ منو .. ولامبو
لامبو .. كان شاعر مغنِّي
يمشى والجيتار عشيقتو
يلمسو ..
يملا ليل اسبانيا بفصوص الأماني وِالأغاني البرتقاني ...
عمو لامبو قضى عمرو في الحارات والخمارات ..
كان يغني للعيال المقروضين ..
كان يغني للأرامل ..
والغلابا ...
والسكارى ..
السكارى اللي يعودوا من جحيم الحر .. في المنجم
السكارى اللي المحاجر حولتهم زيها..
أزمة وحجارة ..
ومعك تعرفنا على ليلى خالد. هل تذكرون أول خاطفة للطائرات الإسرائيلية؟ حدثتنا عن خطف الطائرات الإسرائلية، وقد كانت الحادثة الأولى من نوعها في العالم وبها التفت العالم انتباهاً إلى القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير وياسر أبو عمار. كان حفلنا مشتركاً مع الفلسطينيين وكانت تدير الخشبة فاطمة برناوي هل تذكرون أول أسيرة فلسطينية. كان النشيد من تأليف محجوب وتلحين الجميع. ورقصنا الدبكة الفلسطينية في الشارع وفي المسرح. وبعدها ذهبنا إلى حفل البلشوي. هل تذكر كيف كنت تلتفت إلى محمد الأمين فتجده مستغرقاً في العرض كقديس في صلاة. فتتبسم ثم تنصرف إلى العرض.

-         فينهم يا عم .. محجوب شريف ووردي ومحمد الأمين؟ هُـمَّ ما نزلوش لحد دلوقت؟
-         لأ يا خال همَّ عندهم لعب فْ قهوة تانية .. اجتماع مع الإخوة الفلسطينيين

وجلجلت ضحكتك: 
-   طب ما هو انت كمان تعرف تِنكِّت ..
-         تعرف يا محمد .. كان عازمنا اسماعين .. اسماعين حسن الله يرحمو، شاعر ونص .. وحياة عطعوطة(2).. كان عندو جنينه على سوبا .. ودبح لينا كبش إيه .. زيِّ إيه أقولك .. قدر الجحش. بس وحياتك ماكلتش فيه ولا حبايه.. كَـلُو لوحدو .. قلتلو يا سماعين .. بين الديوم والإمتداد شارع ظلط للعين يبين؟ لأ يا خويا .. شاعر غلط ياكْـل السِّمين ..
وجلجلت ضحكتك وازورَّت بها عيناك وامتلأت بها كل تقاسيم وجهك .. ألم تكن عيناك الودودتين تضحكان قبل صوتك؟ جلسنا وحدنا في بلكونة غرفتك:
- شوف يا ابني .. السياسة داخلة فْ كباية المية اللي قدامنا دي هية .. داخلة فْ كلِّ نِصيبة تفكَّر فيها. بس انت شاعر .. وبرضك مالكش في السياسة. السياسة ليها أوانطجية وحبرتجية وآلاتية يعرفوا حواريها وكهوفها، يعرفوا يدوزنوا ويعزفوا أوتارها. إحنا يادوبك حيا الله .. شُـعَــرا .. مالناش في السياسة بس كل ما هتهرب منها بنت الكلب..هتلاقيك ع الناصية التانية .. لكن طالما انت شاعر فأنت حزب قائم لوحدو.. تقول للأعور عينك واحدة بايظه والتانية هتلحقها.. ما يسألك إلا اعور.

فلاش إلى الأمام:
-         يا خاااال .. قرأت أشعار صاحبك دكتور عبد المنعم عبد الباقي؟
-         آاا .. ياسيدى عبنعم صاحبك دا حاجة تانية خاالص .. جاني من لندن لباريز لما كنت هناك بيعالجوني وبعد ما رجع للندن، يوماتي يشقَّر عليا. منعم دا إنسانية ماشية على رجلين... بس قولي يا محمد انت بتفهم شعر عبمنعم؟ أظن النفسانية داخلة فيه .. مش هو دكتور نفساني؟
-         منعم لسه بيحب عطيات ويقدرها تقدير كبير
-         طب مالو .. أنا لساتي بقدر عطيات .. وهيا لساتها واخده اسمي .. مش برضك اسمها عطيات الأبنودي؟
سيبنا من دا ودا .. عملت إيه في الديوان؟ .. ياخويا شيبت وما طلتش تعملك حتة ديوان شعر. رسلتلك كل دواويني وياها الكاسيتات .. مع اختك الداكتورة نجلاء وزوجها المهلَّب .. دولا شباب حلوين زي الورد .. مش كانت قابلتهم في أبوظبي؟ ديه كانت حتة دين أمسية.
-         أنا يا خال جاهز ومنتظر المقدمة
-         هو ليه الوزير (3) قالك كدا؟ إبن الإيه .. هو فاكرك حيجروك عليهم والا إيه؟.. أولاد الأبالسة.
وفي الفندق:
-         شوف يا محمد .. انت تركب أول طيارة وتجيني ع المهندسين.

وكان بعد حين..
 (1)    الأستاذ مبارك المغربي رئيس المجلس القومي للآداب والفنون وقتها
(2)    هكذا كان يدعو (تدليلاً) زوجته الأولى المخرجة الفذة عطيات الأبنودي
(3)   
دعاه وزير الثقافة آن ذاك إلى عشاء في الريفيرا كنت في رفقته ولم أحفل بعشاء الوزير .. جائت سيرة ديواني الذي لم ير النور بعد.. ولا كنت أرى أفقاً ليصدر. قرر الوزير أنني الذي أرفض طباعته على نفقة الوزارة وقال ما يعني أنني لو ركبت قطارهم كان ديواني قد صدر. ورددت عليه بالشكر الجزيل .. الحامض.

رسائل إلى الخال (رُمَّان) - (1)


ذهبت أزوره في بيته بالإسماعلية وتاه صاحب التاكسي في ترع الإسماعلية المتشعبة. كان يتابع السائق بقلق بالغ عير الموبايل حتى وصلنا (آية ونور) وهو اسم مسكنه الذي اختار له اسماء بنتيه. قضيت معه ذاك اليوم كله وعرفت أنه فلاح حقيقي بما رعى من أشجار مثمرة في بيته من مانجو وبرتقال وعنب ونبق كبير الحبة. وعرفت علاقات الصداقة التي ربطته بعبد الحليم وبليغ وأمل والطاهر ونجيب محفوظ والغيطاني ودرويش وهيكل. وحكى لي عن عبد الناصر وأيامه وحبه له وسجنه له وحكى لي عن أيام حرب الاستنزاف وعيشه في السويس. وقد حكى كل ذلك في التلفزيون. ألا رحمه الله رحمة واسعة.

   موَّال للخال
                           
شعر محمد طه القدال - حليوة - الأربعاء       1/10/2008
             
الشمس شمس الأصيل .. والمنجه لون الدهبْ
طـايبه لبقّ الفـقير ..  وكلّ من هـب ودبْ
طايـبه يا عم ابراهيم ..  وبالأمـاره عسـل
طايبه في سقف السجر .. بس النظر ع العتبْ
           صحة وعافيه ياخال

ع الشـط نام السبيط .. والتـرعه فركة كعبْ
يا عمي روح اسـتحم .. قال السـبيط للرطبْ
فـينك يا عم ابراهيم .. فرْحك لعندك وصـلْ
الـفلّ مسـتنظرك .. والورد عـندك عـجبْ
          صحه وعافية يا خال

عـطشان وقـلبك سبيل .. م الحزن عبا وعَبْ
حُب الخلايق تقيل .. جواّكْ في ممشى العصبْ
الواد تاه يا ابراهيم, (آيـه ونـور)(*) لم وصلْ
قـلب الحبايب دلـيل .. نـبق الحبايب عـنبْ
  صحة وعافية يا خال

ياغـنوة يا محـنيّة ..  شـعرك بـلون التعبْ
هوّ اللي من سـمرتك .. مشّى الغنا ع اللـهبْ
غـنوة لـعم ابراهيم.. غـنوة لـبُكره.. أمَـلْ
هوّ اللي قـال للحزين..  ياحزن تَـبّـاً وتَـبْ
            صحة وعافية يا خال

درويش في حضن الغيطان .. طولان ونُصك خشبْ
يا عود مخضّر عيدان ..  نشاب في صدرك نَشَـبْ
يا بو العـيون يا ابراهيم(**) .. قـال لك بيان بالعـملْ
عـيني وبارده عـليه .. سـبعين ولسَّـاتو شـابْ
 صحة وعافية يا خال

و الـدنيا مـن بسـمِته  ..  وِش النهار انحسَــبْ
أنا وانت يا بوالعـيون .. نكسب حـبيب  انكـسَبْ
غنوة .. ياعـم ابراهيم .. معجـونة طمي بْطَـمَـلْ(***)
مــوال وخالي دا خال .. لُه في الـهلالي(****) نسَــبْ
 صحة وعافية يا خال

(*) بيت الأبنودي بالإسماعيلية سمي على أسماء بنتيه
(**) إبراهيم أبو العيون صديقه وشخصية محورية في ديوان (وجوه على الشط)
(***) الطمل رقيق القوام واكثر سيولة
(****) إشارة إلى جمعه المضني للسيرة الهلالية

موال للخال - مرة ثانية

والي الخرطوم قالها قبل أكثر من عام أثناء السيول: (الناس بقت ما بتثق فينا..)

مرباع عدم الثقة

عدم الثقة الفي الحكْم، جابو الحُكــْم بي إيدو
واحد قام مشى للحبْس، وتاني القصْر تحميدو
كضبة قوية من أول.. وهاك يا غِـش وترديدو

وجا السيل البكِـشْـف الحال، وسيد الكضبة بي سيدو ..!!

مرباع عدم الثقة

  • خمسة مليون ناخب أدلو بأصواتهم من أصل 13 مليون ناخب مسجل تعني 38% فقط من أصوات الناخبين.
  • كم هي نسبة ال خمسة مليون من مجموع الشعب، بل كم هي نسبة ال 13 مليون من مجموع الشعب السوداني؟
  • أين ذهب العشرة مليون عضو في المؤتمر الوطني الذين ينفون بهم وباشتراكاتهم الشهرية تهمة استيلائهم على أموال الشعب ؟
  • إن لم تكن هذه هي عين الهزيمة فكيف تكون الهزيمة؟
  • ولكنهم لن يتعظوا أبداً
  • فكما استمرأوا الكذب، استمرأوا الجهل
  • والجاهل عدو نفسه

  • الهزيمة داخلهم والصدمة تنهشهم والصفعة قد لطمتهم لطمة قوية.
  • لنغني بعظمة شعبنا وقوة انتصاره ولا نبالي للأكاذيب.. إن غناءنا لطمات أخرى متواليات
  •  الشعب المسالم الذي سحلوه في شرقه وغربه وشماله وجنوبه، أعطاهم ظهره بمكر أكبر من مكرهم وبدهاء أعظم من دهائهم. فلنحتفل

اللطمة

الهزيمة المرة والصفعة الغاشية والفضح الكاشف .. 

ذلك ما يليهم.

هذه تجربة طارفة للشعب السوداني العظيم
تحسب في عداد إبداعاته المستمرة
في المقاومة (الإيجابية) 
بالامتناع عن إعطائهم الشرعية عبر الصناديق ..


وهذا ما يلينا.

لنحتفل ولنمجد هذا الشعب الأمجد ..
فلو رجع المهاتما غاندي لمجَّده.

الشعب الأمجد

من أرشيف النفير

 تـُب الشبـَّعوا الجيعان هموم ومغايس

 وتـُب الحوًّلوا الأوطان أسود وكدايس

 وتـُب الفرَّقوا الأموات شهيد وفطايس 

 وتـُب الجنة لو مفتاحها عند الخايس 

نفير مفتاح الجنة

أخبار الصحف الصادرة صباح اليوم: (يتوجه غداً الناخبون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم .. إلخ ..إلخ)

في كل انتخابات الدنيا يكون عدد المتوجهين إلى الصناديق معلوماً فيأتي الخبر الصحيح هكذا:
(يتوجه غداً عشرة ملايين من الناخبين ... إلخ .. إلخ)


هل هنالك من يعلم عدد الناخبين المتوجهين غداً؟ أم هذه مخفية لزوم (الخج)؟

ما قبل الخج

البشير في الفاشر: تاني منصب بالبندقية مافي وتاني منصب بالسلاح مافي..
معلوم أن المناصب كانت ولا زالت تُمنح لكل من كون جماعة مسلحة (إن شاء الله من عشرة أنفار) وحمل السلاح لفترة ثم جلس في أبوجا أو الدوحة أو حتى أم جرس وفاوض لا على مصلحة الوطن أو المواطن ولكن على منصب يجلس فيه أياما معدودات ثم يلفظ لفظ النواة .. وهذا هو ديدن الإنقاذ وهذه هي سياسة المؤتمر الوطني التي قال سادتها جئنا بالبندقية والداير يقلعها .. إلا بالبندقية.. فتدنى القلع إلى درجة المناصب التافهة ورضيت الإنقاذ والمؤتمر الوطني بالجلوس على تل الخراب.. ويريدان التمديد للجلوس خمس سنين أخرى ولا أقول أعوام.

السلاح والمناصب













كانت هذه الأهزوجة فرحة بانتصار الشعب على الديكتاتورية استشرافاً للحرية والديموقراطية والوطن السائر قدُماً .. ولكن تكسر الوعد على صخور الساسة العاهات والعسكر الغشيم الغاشم .. مرة أخرى.
يا أمَّـنا
محمد طه القدال
صحيفة الأيام - 9 أبريل 1985م

حبيبة الضِيق أوْفَت مَعادا
وهبَّت جات ريحة جَلادا
مع الفجراوي مَرَق شُعاعا
مِتل شمسين صبَّت زنادا
قُلت لَها وين طوَّلتي يُمه؟
وقُلْت من وين الليله جيتي؟
شالت نفساً جُوَّه .. جُوَّه
وقالت من عام الرَمَـاده.
وقُـلتْ لا وين غرَّبتي ضُمَّه؟
قالت فوق بِحَـر الضُلُمَّه
بَــلَّة شوقِك تبقى شَمَّه
على أولادك ضَمّه .. ضَمَّه
وفرحاً مَدَّ علي عيونِك
من عينين طَوَّل سُهادا
فيا سعد الولد الرِجاكِي
ويا سعد اللاقى الشهاده
***
كُنا زمَنَّا نهاتي بيكِي
غُنانا عليكِ اصبح عبادة
وقلنا مخاضِك يُــمه قادِم..
طوَّل وَجَعِك أو تَـمَــادى
وكان تيرابنا الليله حُولو
والأرضين شِربَـت سَـمادا
حِمل التسعه يودِّي زولو..
كيف ستَّاشر .. يا مَخَاضا؟
***
جبينِك بَشَّ .. السيلة دالْقَه
ودَمَعَت عينِك زاغ سَـوادا
وجَعِك حَرَّ مع النَّـهَــاير
ودَمِّك سايل في العياده
وانتِ جضيضِك عالي..عالي
وصوتِك موج زايد زيادة
يبقى غبينِك في حَــشاكِي ..
والا تَكَزِّمي في الوساده؟
قالوا يكون جاها ابْ كـَلـَـبشي
وقالو يكون فَـقَـدَت رشادا
وناس واحدين خَتُّولها بَنْجي
وروَّحوا منَّها .. من جمادى
المجنون قايل ببيعها
وبالحيشان أعلن مَــزادا
وناس ريجان قالولو يمكن
تولَـد خَنقاً بالقِلاده
إلا اولادها بِقولها مَسْنَدْ
وبان الكُوك عند المَخَاَدَه!!
الإيدين صبحت سواعِد
والقمصان صارت ضُمادَه
وكَرَّ الرعَد الفي الحَنَاجر
في البُنبان .. بَـصَـل المَـكَـادَه
وقعدوا اولادها البعرفوها
وبان الكُوك عند المَخَاَدَه!!
وقاموا اولادها البعرفوها
وبان الكُوك عند المَخَاَدَه!!
وحاموا اولادها البعرفوها
وبان الكُوك عند المَخَاَدَه!!
***
ومَرَق النَـمْل الفي الحواري
وبِقَت الناس .. ياء المنادى
صقر الجو في الفوق يعَوِّي
وبِت الريل فَكَّت حَدادا
والتيبان شاشاً يكَمِّد ..
في الجُرح الداير الكُـمَاده
وعين الشمس المابتغَمِّـد
غَطُّوها وضاقت رُقادا
ونُص الليل صوتنا بيَرَمِّد
في الجِــن العَقَب البَلاده
واليتْجَبَّر .. يوت نذِلُّو
كَـتْــل العاق .. كَتل الحَــساده
والأنف اليشمَخ .. نمِلُّو
والطمحت .. بنهِد عِمادا
***
أكتوبر هبَّت نسيما
وروح اكتوبر فينا عاده
حباب جنيات الحوبه جينا
حباب أمَّاً نادت وِلادا
يسيموا الروح في شان جديدا
إذا ما الروح عِرْفَت بِلادا
عريس النيل ينزل مَـحَـفَّل
يجود بالدم .. يكتب مِدادا
سألتك يا ام عِزَّاً مَـنَــفَّل ..
عرسِك داك؟ والا الوِلادة؟؟؟



يا أمَّنَـــا - 9 أبريل 1985م

حقوق النشر © القدال