الاثنين، 8 سبتمبر 2014

Text Box: جـِنان الحقائق                                                    محمد طه القدال
Mtaha60@gmail.com                                                   
الزعيم (2-2)
                العناوين الجانبية:
نحن شعب متحضر حضارة امتدت لآلاف السنين، تحضراً يبين في سلوكنا الكامن المستتر أو الظاهر الواضح ولكننا أيضاً أمة لا ترى اختلافها عن الآخرين فهو محجوب عنها بسبب تواضعها المخل في كثير من الأحيان، ولكن الآخرين يرونه ويشهدون به.
الصور:
-         إسماعيل الأزهري
-         خارطة السودان الطبيعية 
-         جون قرنق

قلنا أن الأمة تحتاج لزعيم له رؤية ولشخصية قائدة رشيدة ولرمز يحتذى، يخرجها من المحن ويدخل بها ومعها إلى النماء، تثق بقيادته ويثق بقدراتها ويفجرها ويوظف هذه القدرات لخيرها. وقلنا أن الشخصيات القيادية قد تخرج في لحظات الرخاء ويبرز أغلبها في الظروف العصيبة وأن للزعامة تعريفات اجتهد فيها الفلاسفة وعلماء النفس.  وكلهم حاول تقصي الخصائص التي تميز الفرد ليكون زعيماً أو قائداً. وأن أهمها (نظرية سمة القيادة)  والتي تعتمد  على السمات الشخصية المتأصلة في القائد وهي سمات مولودة مع الشخصية الزعيمة وربما متوارثة وليست مكتسبة. وهذه السمات تتمثل في الذكاء والقدرة على الضبط والهيمنة والقدرة على التكيف والثبات والأمانة والاستقامة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقة بالنفس. ويكون القائد انفتاحياً واجتماعياً وله قدرة على تحمل المواقف العصيبة ومقبول لدي المجتمع ويعمل وفقاً لما يمليه عليه ضميره عاملاً على ترسيخ القيم التي يؤمن بها. ثم جاءت نظرية (المواقف والأحوال الطارئة) لتقول بأن الأوقات هي التي تعطي الشخص القيادي وليس العكس. وأن الحالات والمواقف المختلفة تستدعي الخصائص القيادية المختلفة وأن تصرف الزعيم يعتمد في جزء كبير منه على خصائص الموقف الذي هو فيه. ونقول أن الزعيم إسماعيل الأزهري هو المثل اللافت لهذه الشخصية. جمع بين النظريتين. السمات الشخصية من ذكاء ونقاء وتكيف مع الأحوال ثم الظرف التاريخي الذي وجد نفسه فيه فلم يتوان في اعتمار لحظته التاريخية والقبض عليها بذكاء المعلم ودهاء السياسي ثم أعمل ميزاته الشخصية في الزعامة لتكييف أهدافه وعندما تم له ذلك ورأى هدفه وفقاً لهذا التكييف سعى لتحقيق هدفه الرئيس الذي تطابق تماماً مع هدف الأمة جميعها في الحرية والانعتاق من ربقة المستعمر فكان له ولها ما أرادا. والملاحظ أنه الوحيد من دون جميع القادة السودانيين في العصر الحديث الذي لقب بالزعيم لم يشاركه فيه إلا د. جون قرنق في الآونة الأخيرة. منهم من لقب بالسيد أو الإمام أو القائد ولكن قاعدة عريضة من الشعب أعطته صفة الزعيم. كان إسماعيل الأزهري ممن امتلكوا صفات الزعامة الذاتية وفقاً للنظرية الأولى، وظرفه التاريخي هو الذي فجر فيه السمات الزعامية فعمل وفقاً لهذا الظرف مستعيناً بصفات الزعامة الذاتية المتأصلة فيه. ولد الأزهري في أسرة أسها في الصوفية والعلم فأبوه وجدوده من علماء الأزهر (نالوا درجة العالمية) فيه ونـُسبوا إليه وجده  
الأكبر الشيخ إسماعيل الولي مؤسس لطريقته الصوفية وفي الأسرة المفتي والبكري والمكي والبدوي وكلٌ قائدٌ في مجاله. وكان من المقرر في الأسرة أن يذهب هو نفسه إلى الأزهر وقد كان طالباً نجيباً ولكنه تخرج في كلية غردون والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت. وعاد وعمل بتدريس الرياضيات في كلية غردون وكان معلماً نابهاً. وهذا يعني أن كلية غردون كانت لا أكثر من مدرسة ثانوية. وكثير من السودانيين يظن أن (الخريجين) خريجي كلية غردون في مرتبة أعلى من ذلك ولكنها على كل حال كانت حينها أعلى المراتب الدراسية في السودان. وبرزت صفاته القيادية في هذه الفترة وعندما تقرر نقله إلى حنتوب بعد إنشائها رفض النقل وترك التدريس وتفرغ للعمل العام وبالتحديد السياسي. وخاض خضماً من التيارات المناهضة لقيادته حسداً وغيرة سواء من داخل فريقه الاتحادي أو من قبل خصومه في الأحزاب الأخرى. انقشع غبار انشقاق مؤتمر الخريجين وخرج الأزهري زعيماً، مجمعاً عليه، على الصيغة التي  توافق عليها الاتحاديون ثم انشق الاتحاديون فكان زعيماً، مجمعاً عليه، على الفرقة الأقوى والتي تمكنت في وقت لاحق من توحيد الأحزاب الاتحادية وقاد مسألة الاستقلال متجاوزاً الأنا إلى الآخر، متجاوزاً طرح حزبه وانحاز لما كان يطرحه خصومه في حزب الأمة والأحزاب الاستقلالية الأخرى وقبض بدهاء على لحظته التاريخية لصالح الهدف الأسمى والتوق الأعلى لكل سوداني فحشد الولاء لقراره ممن كان داخل البرلمان من النواب أو خارجه في أروقة المناورات ودهاليز المفاوضات عند السيد والإمام والشيخ والصديق والرفيق أو من خارج البلاد لدى دولتي الحكم الثنائي فجاء إعلانه الاستقلالَ من داخل البرلمان إجماعاً لا مثيل له. وجعل السيدين يتفقان على ما لا يتفقان عليه أصلاً وهو الاتحاد مع مصر أم الاستقلال، فقـدم الاقتراح بالاستقلال من خلال فرد عادي ليس له صفة القيادي في حزب الأمة، عبد الرحمن دبكة، وثناه الاتحادي مشاور جمعة سهل. كان الأزهري يمر في تلك اللحظة  بما مر على الإمام المهدي تماماً إذ رأى بعينيه وأيقن ببصيرته ورأى المشهد السوداني العام بكل تفاصيله، بسراديب ضعفه ومكامن قواه، ثم أعمل كل خصائصه القيادية فوحد الشعب حوله إلا قليل القليل واستنهض قواه الكامنة للوفاء بآمال واحتياجات الأمة في الحرية والكرامة والعيش الحسن ففجر طاقات شعبه وأخرج معهم المستعمر. لم يتسن للإمام المهدي أن يرى مآلات انتصار الشعب به ومعه بموته بعد خمسة أشهر من الانتصار العسكري الحاسم ولأن عملية تفجير الطاقات توقفت عند الترتيب العسكري ولم يتسن لخلفه (الخليفة عبد الله) أن يستمر في الترتيب الحكيم ويتحول تفجير الطاقات لديه إلى الإنتاج والاستقرار المفضي إلى الدولة فالمؤسسة فالرفاه، ولكنه رأى جزءاً صغيراً مما رأى الإمام فسار في درب إمامه عسكرياً لفتح الحبشة ومصر وربما بريطانيا نفسها. وأيضاً للأسف لم يتسن لقبضة الزعيم الأزهري للحظته التاريخية ان تستقر أبعد من رفع العلم وخروج المستعمر والجلوس على الكرسي ثم الصراع حوله وعليه بعد ذلك. فصارت الأولويات الوطنية رمادية  ومعتمة لا تكاد تبين لقد جر أنصار الزعيم وخصومُه على حد سواء زعيمهم جراً من أعلى الشخصية الزعامية العاملة لمصلحة كل الشعب وانزوت به إلى شخصية أخرى تجاهد لتكون على رأس مجلس السيادة أو تقاتل على رئاسة وفد السودان إلى مؤتمر من مؤتمرات القمة أو تجوب السودان متفرغة للدعوة للحزب. ولكن يظل الأزهري من أطهر زعماء السودان وأنقاهم سيرة وسريرة. ذهب من الفانية ومنزله مرهون وجاء بعده قوم مدقعون فابتنوا القصور لهم ولحواشيهم وتركوا الأمة على إدقاعها. 
<< أما د. جون قرنق فقد جمع شتى السمات التي تتصف بها الشخصية الزعيمة فهو من الذكاء بمكان وله تأثير طاغي على أتباعه وخصومه على حد سواء  مع قوة الشخصية والإيمان بأهدافه والعمل على تحقيقها. فهل تطابقت أهدافه مع أهداف الأمة حتى نسبغ عليه صفة الزعامة الوطنية؟ إن التجرد والحيدة يمليان علينا الإجابة بنعم. ولد في 1945 في أسرة ميسورة في الدينكا علمته واستطاعت أن تسير في تعليمه حتى الجامعة الأمريكية (إيوا)(1) .  في عام 1970 وعمره خمسة وعشرون عاماً رفض منحة دراسية من جامعة كاليفورنيا مفضلا حمل السلاح ضمن قوات الأنانيا الأولى وشارك في الوفد المفاوض للتوصل الى اتفاق السلام في أديس أبابا وعمره سبعة وعشرون عاماً ثم التحق بالجيش السوداني وعاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونال درجة الدكتوراه  في جامعة إيوا في الاقتصاد الزراعي حول قناة جنقلي وعمره ستة وثلاثون عاماً وعمل أستاذا للاقتصاد بجامعة الخرطوم ونائباً لمدير أبحاث الجيش وسكن بالحاج يوسف وذهب إلى الجنوب لاحتواء تمرد في منطقة بور ولم يعد بل ذهب هو نفسه متمرداً على الجيش النظامي الذي أرسله وتبنى قضية الجنوب وانشأ الجيش الشعبي لتحرير السودان وعمره ثمانية وثلاثون عاماً(2) ونجح خلال ثلاثة أعوام  في جمع عشرة آلاف مقاتل في حركة منظمة حتى أصبح قوامها يقدر في بداية التسعينات بحوالي خمسين إلف رجلاً. بدل قرنق تحالفاته عدة مرات. فقد وقف في صف السوفيت خلال الحرب الباردة، بينما كانت الخرطوم والولايات المتحدة تقيمان علاقات وثيقة، ثم حصل على مباركة الأميركيين في التسعينات. شارك في اتفاقية سلام أديس أبابا  ووقع على اتفاقيتي سلام، الأولى كانت مع الميرغني والثانية اتفاقية السلام الشامل التي أعادته إلى الخرطوم نائباً أولاً لرئيس الجمهورية وبطلاً قومياً لم تشهد الساحة الخضراء استقبالاً مثل الذي استقبل به يوم عودته وقد قدر بأكثر من مليون شخص وتوفي بعدها بقليل وعمره ستون عاماً في حادثة سقوط الطائرة فكان الحزن عليه قومياً. سئل مرة في قناة الجزيرة عما يعني بتحرير السودان والسودان مستقل فأجاب: (هي ما تعنيه بالضبط، فإذا ما أخذنا مثلاً الوضع هنا في رومبيك أو جنوب السودان، ومنذ أن خلق الله هذه الأرض لم تكن هناك طرق مرصوفة، والناس يعانون حيث يقطعون مسافات طويلة تصل أحياناً إلى خمسة أو عشرة كيلومترات لجلب الماء، وإذا قمت بحفر بئر على مسافة تقل عن عشرة كيلومترات ولو بنصف كيلو متر تكون قد خففت عن معاناة تلك المرأة التي تقطع عشرة كيلومترات يومياً لجلب الماء وساهمت في تحريرها أيضاً، هناك سوء فهم لدى بعض الناس حين يتساءلون: التحرر مِن مَن؟ والسؤال قد يكون بالأحرى: التحرر من ماذا؟ هناك من يقول إن البلاد تحررت عام 1956، نحن لا نتفق مع ذلك، فهذا التحرير كان زائفاً، ولم يشمل كل السودانيين، نحن الآن نقوم بإشراك كل المواطنين السودانيين في عملية تحرير ثانية إذا شئت ذلك).(3) إن قرنق شخصية أدركت ملكاتها القيادية في وقت مبكر ورأت أهدافها رأي العين وسعت لتحقيقها بحشد كل الطاقات والوسائل حولها سواء كانت قتالية أو تفاوضية ولم يألُ جهداً في الاثنين فقاتل لهدف عام يهم جميع الشعب السوداني وفاوض لنفس الهدف ولم يكن هدفاً ذاتياً يبتغي منه السمعة أو الجاه الشخصيين ولكنها قضيته التي آمن بها وأجبر الآخر على فهمها على الأقل إن لم يكن الإيمان بها وأقنع الكثير من أفراد الشعب شمالاً وجنوباً على الإيمان بها، وهو أن هناك معنى آخر للتحرر غير الذي تعارف عليه عامة الشعب وأن هناك معنى آخر للتعايش في وطن واحد وهناك معنى آخر للوحدة القائمة على المساواة في الحقوق والواجبات. وبرغم ما في الحروب من مرارات فكثير من السودانيين في الشمال والجنوب أدركوا هذه المعاني التي نادى بها ونصبوه بها زعيماً على الأغلب الأعم في الجنوب وفي كثير من الشمال ولو امتد به العمر لأصبحت هذه المعاني بديلاً لكل الموروث في القاموس السياسي السوداني ولتبدل حال الوطن الذي يعاني الآن من غيابه، وسوف تزداد معاناته أكثر جراء هذا الغياب،  ليس كسياسي من زمرة الساسة ولكن كزعيم تحتاجه الأمة في الملمات العصيبة والمنعطفات المصيرية ويدرك زعامته هذه خصومه قبل مناصريه.  
إن الأمم المتحضرة تمجد زعماءها وربما يكون لها رأي في مآلات أفعالهم ولكن ذلك لا ينقص من قدرهم ولا يقلل من تمجيد الأمة لهم. ونحن شعب متحضر حضارة امتدت لآلاف السنين، تحضراً يبين في سلوكنا الكامن المستتر أو الظاهر الواضح ولكننا أيضاً أمة لا ترى اختلافها عن الآخرين فهو محجوب عنها بسبب تواضعها المخل في كثير من الأحيان، ولكن الآخرين يرونه ويشهدون به. ونقول للشباب أن جميع هؤلاء الزعماء كانوا زعماء حقاً كلٌ لما قـُدِّر ويـُسـِّر له وعملوا على تحقيق أهدافهم، ما وسعهم ذلك، في ظروف مختلفة جاهدوا وبذلوا طاقاتهم وأموالهم ومنهم من بذل روحه في سبيل قضايا الوطن فواجب علينا تمجيدهم والتغني بما قدموا لوطنهم. ولكن لكي يخرج من جيلكم، جيل الشباب، زعماء يتسنمون معالي الزعامة في هذا الوطن لا بد أن تروا الزعماء السابقين من قبلكم. كيف عاشوا وكيف تصرفوا في اللحظات التي احتاج فيها الوطن للزعيم الذي يشير إلى السبيل وينيره لتسير فيه الأمة إلى البر الآمن. ومهما بلغت الأمم من التحضر والديمقراطية والعصرية فهي تحتاج لهذا الرأس المبجل أنظروا ثم تعجبوا كيف ولماذا يمجد الشعب البريطاني ملكته كل هذا التمجيد مع أنها لا تحكم، إنه فقط الرمز !!  في الحلقة القادمة نقدم الرمز الأعلى للزعامة، زعامة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع قلم ألمعيٍّ، قلم الدكتور عبد المنعم عبد الباقي علي من بريطانيا.
(1)     تعريفات ويكيبيديا
(2)     نفس المصدر
(3)    موقع الجزيرة نت

Text Box: ونحنا قبيل شن قلنا؟ .. قلنا الطير بياكلنا؟


يا أهل الله ويـن القـُدوه  وين أب رِسْـوَه؟
لمـَّام الكـتـيـر .. البـِسْـوى  والما بِـسْـوى
ديناب  الهـَمـَـل  عبـَّـار قماش  الكـِسـوه
ربـَّـاي اليـتـيـم  غـتـَّـاي مـقانع النـِّســوه








حقوق النشر © القدال