الثلاثاء، 5 مايو 2015

(3) إلى الاسماعيلية




-         وبعدين معاك يا رُمَّان!!
زيِّ ما بتناديك العَمَّة "يامنة"
-         طب انت مش قلتلي يوم نَـشَـر الجرابيع إشاعة موتك:
(يعني يا مْحمد .. يعني حاموت قبلِ ما اقولَّك؟؟)
-         طب اهو انت راخر رحت يا خال، وما قلتليش ولا عبّرتنيش.

 الخط جميل الأنيق

-         ألو يا خال أنا وصلت مصر البارح وجاي عليك في اسماعيلية
-         يا مرحبا يا مرحبا.. هتركب البص للاسماعيلية .. أول ما هتنزل م البص خد أول تكاسي تقوللو وديني ع الضبعية. هوَّ يعرف. فيه نزلة من الترعة عند مركز الشباب .. تنزل من شارع الإسفلت زي مشية كدة .. شارع ..  بس ما هواش مسفلت .. وتاخد على يمينك .. آية ونور يكون في الوش. أقولك! أول ما تأخد التاكسي إديني الراجل ع الموبايل.

فرحاً كنت.. فرحاً يفرهد داخلك كحقل ورود ولا تستطيع أن تصرِّح به وسط محطة بص. أحاول أن أري كل شيئ في الطريق فأنا متجه نحو شط القناة .. وسيناء على الضفة الغربية. الترعة الرئيسية متجهة معي من النيل شرقاً .. والخضرة على جنبتيها .. ترعة عريضة ويبدو أنها عميقة ووبالتأكيد معتنىً بها.. أشجار النخيل ترمي بظلالها على صفحة الماء وبين الفينة والأخرى تجد كوبري أوقنطرة مثل التي عندنا في الجزيرة. والمكان كله ذكرني بالجزيرة الخضراء الحبيبة التي لم تكن قد هدمها المجرمون بعد. تتفرع ترعة أخرى أصغر ثم تتفرع الترع الصغيرة إلى جداول تروى الغيطان. نحن نسميها أبو عشرين ثم أبو ستة ثم الجداول الصغيرة (فالتقانت) التي تروي الحيضان. الطريق مسفلت ومستوي وليس به حُفر. وعلى طول الطريق تقوم مزارع تنثر الخضرة على الجانبين. أسأل نفسي هل هذه المزارع والجناين تخص الفلاحين أم هي تتبع للمستثمرين العتاة من القطط السمان؟ المحطة الرئيسية .. وأنزل إلى سائق التاكسي وبعد يا بيه ويا باشا وابن النيل وحبايبنا والسلام المطول:
-         انت تعرف الخال؟
-         يصمت قليلاً .. الخال مييين؟عبد الرحمن الأبنودي؟
-         أيوه
-         في حد ياخال ما يعرفش الخال؟
-         تعرف فيلا آية ونور محل ساكن في الضبعية؟
-         ما انت اللي حتنوَّري يا باشا
أتصل عليك وأعطيك صاحب التاكسي على الموبايل وهو غير مصدق أنه شخصياً سوف يتحدث مع الخال شخصياً.
-         إحنا اتشرفنا يا باشا .. أيوه يا باشا .. أأصد يا خال .. حاضر يا خال .. على عيني وراسي  .. آاا والنبي .. لا الأستاذ حيكون في عنيَّا اللإتنين.. آاا ..
-         يأتي صوتك: عشرة دقايق والتاكس حيوصلك عَـندي لحد (آية ونور) يا محمد.. يالا يا حبيبي بالسلامة.

ومضينا في طريق الترعة وهي بالأحرى ترع تتفرع منها ترع. خضرة الحقول الممتدة خضرة داكنة مفعمة بروائح الزرع والطين والماء. وهنا وهنا على حواف الغيطان جاموسة عظيمة تأكل مما وُضِع لها تأكله بشراهة وسط تلالٍ من روثها. ومن باب حُب الاستطلاع أسالُ السائق لماذا يتجمع الروث بكثرة هكذا تلالاً قرب الجاموسة:
-         الجاموسة دي هيَّه الخير والبركة يا أستاذ. تدينا اللبن وسماد الأرض وبعدين اللحم. أجدع سماد للأرض، (بعر) الجاموسة سماد طبيعي.. كيماوي إيه .. طول مانت تعلفها تنوِّلك السماد.
-         عرفت من الخال إنك من السودان .. إبن النيل .. أجدعها ناس.. آاا والله
-         وانت من وين؟
-         أصلاً من السويس .. كان لينا أرض وناس وأهل هناك بس جينا في التهجير من أيام الحرب وما قدرناش نرجع .. المعايش جبارة يا خال.
وتمضي بنا الملاغاة زمناً نصحو فيه على رنين الموبايل. ويأتي صوتك عالياً قلقاً:
-         فينكو يا محمد دانتو ليكو يجي نص ساعة .. الراجل تاه والا إيه؟ هاتلي الراجل بتوع التاكس ابن الإيه.. دا هيتوه بيك.
لقد كنتَ في غاية الانزعاج.. مثل أمٍ تاه عنها أطفالها في زحمة المولد. لم أكن أتوقع ذلك. كاد يتقطّع نفسك وأنت تحاول أن توصف الطريق مرة أخرى فتتم الجملة وأنت تناهد لتلتقط الشهيق. أعطيت الهاتف للسائق اللطيف فرأيت الارتباك على وجه الرجل وهو يتلقى انزعاجك.
-         طيب .. حاضر .. هارجع من الدخلة الأولانية .. اللي قصاد مركز الشباب  .. حاضر يا باشا .. حاضر يا خال..
أسمعك تكح ويرتفع أزيز صدرك أتأثر لقلقك علينا أيما تأثر وأقلق أكثر على صحتك:
-         إيه يا خال ح تقوَّم نفسك ليه نِحنَ حنوصل .. في الآخر يعني حنوصل.
وعند اللفة كنتُ أمام بوابة )آية ونور) .. بوابة عريضة وعالية..

وكان بعد حين ...


قدال فاضلابي أبنودي أزهري – آخر لقاء في آخر زيارة للضبعية بالإسماعيلية




حقوق النشر © القدال