الاثنين، 18 مايو 2015

(4) في الاسماعيلية(ِِأ)


الأزهري، الأبنودي، القدال، الفاضلابي
-         وبعدين معاك يا رُمَّان!!
زيِّ ما بتناديك العَمَّة "يامنة"
-         طب انت مش قلتلي يوم نَـشَـر الجرابيع إشاعة موتك:
(يعني يا مْحمد .. يعني حاموت قبلِ ما اقولَّك؟؟)
-         طب اهو انت راخر رحت يا خال، وما قلتليش ولا عبّرتنيش.

وبعد الاستقبال والسؤال عن الحال والأحوال في السودان وعن حال الأولاد وأمهم.

-         لأ أنا مش راجع مصر. (القاهرة). الدكاترة همَّ اللي حكموا علي بكدا. القاهرة ملوثة وأنا سدري ما يستحملش.
-         طيب والولاد
-         أهو بيجولي كل نهاية اسبوع يقعدُم ويايا حبتين وبعدين يرجعُم. آية هتخلَّص جامعة ونهال تشتغل في التلفزيون ونور ماشية كويس في المدرسة.
-         تعالا أفرَّجَك على زراعتي.
-         شوف يا خال انت فلاح وأنا مزارع أنا برضو أعرف في الزراعة .. وأنا شايف انت عملت شدر منقة كتير إن شاء الله تكون حلوة
-         ما انت حتاخد معاك منها للقاهرة وحتدوقها بقى وتديني رأيك.

شمس الأصيل ترمي بذهبها على أعالي الشجر وتصبغه بلونها وأمد سبابتي ناحية (منقاية) في الأعلى:
-         ديك واحدة نجيضة يا خال .. لونها أصفر
-          
وتضحك ضحكتك يا أبو العيون ضحَّاكة:

-         لا يا سيدي.. أدي واحدة من خيباتك كمزارع. مش طايبة. بس الشمس تديها اللون الدهبي وتغشك. ولو نزلناها هنلاقيها لسة بدري عليها. مش طايبة.
-         لا يا خال ما فيش داعي نقطع الما طايب .. أنا مصدقك .. يعني ح أغالط فلاح في أرضو؟
ونضحك ضحكتنا
-         أصيلة النبقاية دي هية.. شايفها كبيرة ازاي؟ تاكل تلاتة منهم يفطروك..
-         نحن نقول عليه النبق الفارسي .. نبقنا صغير الحجم ويؤكل وهو لين أو جاف
-         يا عم ولا فارسي ولا حاجة .. كنا ناكلو في أبنود وإحنا عيال .. الأرض دي أنا تعبت فيها كتير على ما تصبح أرض .. هاقولك قصتها معايا.

خرجت منك يومها دون أن أسمع قصتها وشاءت الأقدار أن تحكيها لنا موثقة في آخر زيارة للاسماعيلية مع الأصدقاء أزهري والفاضلابي وجمال وهذه قصة أخرى.

حدثتني يومها عن الكثير من أصدقائك. عن جلستكم اليومية مع الكبير نجيب محفوظ واحتفالكم به أنت والغيطاني وثلة من الأصدقاء وعن حرصه على هذه الملازمة برغم وهن السمع .. تقرأون له الأشعار والقصص بالصوت العالي ليسمع.

وحدثتني عن درويش وعن الصداقة الممتدة بينكما وأريتني صوره معك ومع نهال والبنات ورأيت الأريحية. حدثتنى كيف أنه زارك قبل العملية ولم تكن راضياً أن يذهب إليها برجليه. أثار فيك موته شجناً آخرا وانت تصف لي ناجي العلي الصديق والمناضل بريشته .. ذهب هو الآخر وهو يرفع يديه عالياً وليس وراء ظهره كما كانت شخصية رسوماته.

ويدخل محمود بالغداء وأنت لا تأكل منه شيئاً .. أكلت أنا بنهم الجائع وأنت قصادي تحدثني وتحدثني .. عن محمد حسنين هيكل وعبد الناصر و(أيامي الحلة) الذي بصدد أن يصدر. سمعت الحكاوي التي فيه منك شخصياً.. طفولتك في أبنود والشيخ الأبنودي وأمك وأخواتك .. والشغل في قنا ويحي الطاهر عبد الله و أمل دنقل وأيام انتقالكم إلى القاهرة وعلاقتك برشدي وأغنية عدوية التي (كسرت الدنيا) وقتها. واقتناع عبد الحليم باللون الشعبي وطريقته الخاصة في اقتناصك. وعلى حسب وداد قلبي وأغاني الثورة وأغاني المقاومة وعدى النهار وحدثتني عن أيام بورسعيد وأيام المقاومة. عن إبراهيم أبو العيون وأحمد سماعين.

وحدثتني عن محجوب شريف وكييف أن (الواد) منير قد برع في أداء أغنية (القلب مساكن شعبية) وقلت لك أننا لم نكن راضين لأن كل من غنى أغنية سودانية من الفنانين المصريين أوالكويتيين نسبها إلى التراث النوبي ولم يحفظ الحقوق الأدبية لكاتب أو ملحن أو مغني. وقلت حينها أن غناء الغير في مصلحة الأغنية. وقلت لك أن محجوب يعاني من نفس ما تعاني كأنه وقع الحافر على الحافر.. وتسألني عن زوجه وبناته .. وأقول هل تم اتفاق بينكما؟ لأنه أيضاً خلّف بنتين (مريم ومي) ... وتسألني عن كمال الجزولي شقيق أميرة زوجة محجوب.. وتظل تسأل عن كل الأصدقاء.. الأحياء منهم والذين مضوا .. وتتحسر على عميري (اتخطف يا محمد).
وأحدثك عن اتجاهات الشعر الجديد في السودان .. عن أزهري وحميد وعاطف خيري. التقيت بعدها بأزهري وكان القدر أسرع منك ومن حميد.

ويدخل محمود بمقطف ملآن بالمانجو .. تأخذ واحدة وتقطعها من منتصفها وتدوِّر ما قطعت بين يديك الأثنين فيخرج قمعها فتمد لي ملعقة الشاي الصغيرة وتقول لي: دوق بقى. أخرط من القمع عسلاً وأستغرب من حلاوتها. حلاوة لم أذق مثلها في مانجو.. وكنت أظن أن المانجو شجرتنا نحن تنبت في مناخنا وحده .. من سافاناه إلى استوائه.

-         الأرض دي تعبت فيها .. بس الإسماعيلية كلها مشهورة بالمنجة الحلوة

مقطف المانجو بقي معي طوال فترة وجودي بالقاهرة .. بل أهديت منه إلى بعض الأصدقاء وأن مزهوٌّ بمانجو الخال.. الحلو.

ودعتك عند المغيب وفي رأسي تدور القصيدة:

          موال للخال                                  
الشمس شمس الأصيل .. والمنجه لون الدهبْ
طـايبه لبقّ الفـقير ..  وكلّ من هـبْ ودبْ
طايـبه يا عم ابراهيم ..  وبالأمـاره عسـل
طايبه في سقف السجر .. بس النظر ع العتبْ
           صحة وعافيه ياخال

ع الشـط نام السبيط .. والتـرعه فركة كعبْ
يا عمي روح اسـتحم .. قال السـبيط للرطبْ
فـينك يا عم ابراهيم .. فرْحك لعندك وصـلْ
الـفلّ مسـتنظرك .. والورد عـندك عـجبْ
          صحه وعافية يا خال

عـطشان وقـلبك سبيل .. م الحزن عبا وعَبْ
حُب الخلايق تِـقيل .. جواّكْ في ممشى العصبْ
الواد تاه يا ابراهيم, (آيـه ونـور)(*) لم وصلْ
قـلب الحبايب دلـيل .. نـبق الحبايب عـنبْ
  صحة وعافية يا خال

ياغـنوة يا محـنيّة ..  شـعرك بـلون التعبْ
هوّ اللي من سُـمرتك .. مشّى الغنا ع اللـهبْ
غـنوة لـعم ابراهيم.. غـنوة لـبُكره.. أمَـلْ
هوّ اللي قـال للحزين..  ياحزن تَـبّـاً وتَـبْ
            صحة وعافية يا خال

درويش في حضن الغيطان .. طولان ونُصك خشبْ
يا عود مخضّر عيدان ..  نشاب في سِـدرك نَشَـبْ
يا بو العـيون يا ابراهيم(**) .. قـال لك بيان بالعـملْ
عـيني وبارده عـليه .. سـبعين ولسََّـاتو شـابْ
 صحة وعافية يا خال

و الـدنيا مـن بسـمته  ..  وش النهار انحســبْ
أنا وانت يا بوالعـيون .. نكسب حـبيب  ينكـسبْ
غنوة .. ياعـم ابراهيم .. معجـونة طمي بْطَـمَـلْ(***)
مــوال وخالي دا خال .. لُه في الـهلالي نســبْ(****)

 صحة وعافية يا خال
(*) بيت الأبنودي بالإسماعيلية مسمى على بنتيه (آية ونور)
(**) عم ابراهيم ابو العيون من شخصيات (وجوه ع الشط) وهي شخصية حقيقة وصديق
أيام حرب السويس
(***) الطمي رقيق القوام واكثر سيولة
(****) إشارة إلى السيرة الهلالية جمعها الخال على مدى 20 عاماً
حليوة - الأربعاء     1/10/2008





وكان بعد حين

حقوق النشر © القدال